Tuesday, August 18, 2015

الاستقطاب.. أسلوب حياة

لم يكن من المفاجئ للكثيرين أن المجتمع المصري في أعقاب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، دخل في حالة حادة من الانقسام على ذاته. لقد أصبح الاستقطاب ونقد الآخر وعدم قبوله سمة مميزة في العالم العربي كله. من الصعب جدًا أن يتعايش الشيعة والسنة معًا.. انظر فقط إلى العراق أو لبنان أو حتى إلى اليمن. بمجرد دخول مسألة تعايش السنة والشيعة في وطن واحد تحتد الآراء وتبدأ الصراعات.. وهذا مجرد مثال على الاستقطاب وعدم قبول الآخر.
أما عندنا في مصر، أم الدنيا، فالأمثلة على الاستقطاب حدث ولا حرج... فمن يعشقون الأهلي، يسخرون ممن يحبون الزمالك، والعكس. وعشاق الأغاني القديمة، ينتقدون ويرفضون محبي الأغنيات الشبابية بل وينعتونها بالهبابية.. كبار السن ينتقدون الشباب ويتهمونهم بالتفاهة، والسطحية، وقلة الخبرة. والشباب يرفضون كبار السن ويقولون أنهم دائمًا متحجرى الفكر وفاقدي المرونة والقدرة على التكيف مع متغيرات العصر...
ببساطة أصبحت المعادلة السائدة هي "رأيي صحيح لا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب." والأدهى من هذا أن عدم قبول الآخر هذا والانتقاد الدائم من كل طرف للآخر أوصل الكثيرين إلى استنتاج وقناعة داخلية مفادها "أن الواقع لا يسعنا معًا"..
والأمور تزداد تعقيدًا لو تحدثنا عن الدين. فالمتحولون من أي دين لأي دين آخر صاروا متهمين من أصحاب ديانتهم السابقة بالجهل والكفر وصار محكومًا عليهم بالموت الاجتماعي بسبب اختياراتهم العقائدية. لدينا حرية عقيدة على أوراق الدساتير والقوانين ولكنها عاطلة في عقول المجتمع الذي صار وكأنه يقول "من حقك أن تؤمن بما تريد ومن حقي أن أحكم عليك بدون محكمة.."
وحتى في واقع السياسة صرنا نرى رفض الآخر وضيق الأفق والاستقطاب في أسوأ صورة؛ فمحبي ثورة 25 يناير يرفضون ثورة 30 يونيو ويقولون إنها انقلاب أو على أفضل تقدير يقولون أنها ثورة عسكرية استردت الحكم للجيش ولأتباع مبارك..أما داعمي السيسي وثورة 30 يونيو فيقولون أن ثورة يناير لم تكن إلا مؤامرة إخوانية حمساوية..
داعمو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يهللون له طوال الوقت ويرفضون أي نقد له ويعتبرونه خيانة ويعتبرون كل من يناقش إنجازاته أو قراراته إخواني.. أو على أفضل تقدير إخواني الهوى.. أما منقدي الرئيس السيسي – من الإخوان وغيرهم- فيرون أن الطرف الآخر من داعميه هم مجرد جهلة أو أنصاف متعلمين أو مغيبي الفكر..
لماذا لم يعد صدرنا يتسع لقبول الآخر؟
لماذا لم نعد نرى أن العالم يتسع لكلينا؟
لماذا لم نعد قادرين على الإصغاء للآخر باتضاع وتروٍ لمحاولة فهمه والتحاور والنقاش؟
إن المجتمعات تتقدم بقدر الحرية التي تتاح للفكر والابداع ولهذا كانت مبادئ الثورة الفرنسية القائمة على الحرية والإخاء والمساواة هي عماد النهضة السياسية والاقتصادية في قاطرة التقدم الأوروبية.



No comments:

Post a Comment